الأولى على الثانوية الأزهرية للمكفوفين: حرص على أداء صلواتي الخمسة ورعاية أمور الحياة في مساعدة أمي وإخواتي وحدودي السما ومبعرفش أقرأ برايل

الآن فقط تستطيع هبة فتوح حسين تنفس الصعداء. عامٌ ثقيلٌ مر على طالبة الصف الثالث في الثانوية الأزهرية، واجهت فيه مصاعب شتّى، بين كثرة المواد، وأهدافها بأن تحصد أعلى الدرجات، وأخيرا “كف البصر” الذي ولدت به، غير أنه لم يمنعها عن النجاح يوما.

عصر اليوم، تلقى والد الطالبة القاطنة بمدينة المحلة الكبرى، اتصالا من الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يُبشره فيه بحصول هبة على المركز الأول على الجمهورية لطلاب الثانوية الأزهرية المكفوفين، بمجموع 97.5%، “لما بابا اتصل بيا كنت حاسة إنه التعب كله اتشال من على كتفي”.. تحكي الطالبة المتفوقة.

منذ كان عُمرها أحد عشر عاما، تحصد هبة فتوح حسين المراكز الأولى في سنوات دراسية مختلفة “في 6 ابتدائي كنت أول الجمهورية وبرضو في إعدادي”، لا تبني أسوارا لقدراتها “كنت عارفة إن ربنا مش هيضيع تعبي”، تتمنّى الالتحاق بكلية تدرس علوم الشريعة “انا بحب التخصص دا ولاقية نفسي فيه”، لكن الدراسة الجامعية ليست نهاية المطاف بالنسبة لها “نفسي أشتغل حاجة تساعد الناس اللي زيي وتمكنهم بشكل أكبر سواء في المجال الشرعي أو غيره”.

فتوح عوض والد الطالبة، يعمل كمدرس للرياضيات وحرص كونه رب للعائلة على مساعدتهم لتحقيق أمنياتهم “كلي فخر وعزة لتهئنة الأمام الأكبر لنجلتي وكل الشكر له على رعايته هموم بناتنا وأولادنا ومليون مبروك لها وربنا يوفقها في كليه الأزهر”.

رغم تفوق هبة، لم يكن العام الماضي يسيرا. درست الطالبة 15 مادة بين المواد الشرعية والعلمية، حصلت على دروس تقوية في بعضها، واكتفت بالمذاكرة الفردية في أخرى، فيما كانت أسرتها خط الدعم الدائم لها “مش بس بالتحفيز والتصديق فيا لكن كمان بتسجيل الكتب”.

لا تقرأ هبة بطريقة برايل، اعتمدت منذ طفولتها على المذاكرة السماعية “بابا بيسجل لي وماما وإخواتي وأصحابي أحيانا”، يجعل ذلك الأمر أيسر عليها رغم صعوبة المواد “بس انا اتعودت على الطريقة دي”، حتى أن اختبارات السنوات الماضية كانت شفهية، عدا ذلك العام “دي كانت أول مرة يبقى فيه كتابة في الامتحان”، اُخذت الفتاة في بداية الأمر، لم تعرف كيف سُتملي الكلمات لشخص ليكتبها، وكيف ستجمع شتات عقلها في لجنة الامتحان، تمنّت لو يكون ذلك الشخص هو أختها الأكبر “بس إدارة المعهد قالت مينفعش”، لذا اختاروا فتاة صديقة لهبة تدرس في المرحلة الإعدادية “في أول كام مادة كان الموضوع صعب بس بعدين كنا متوافقين والدنيا سهلة” حسب قول الشابة.

كانت الطالبة تحرص علي المذاكرة اليومية لمدة ٦ ساعات، و”كنت دائما احرص على أداء صلواتي الخمسة ورعاية أمور الحياة في مساعدة أمي وإخواتي البنات وشقيقي الأصغر”.

في أيام الدراسة، لطالما حاولت الفتاة تخفيف ضغط المذاكرة قليلا، نظّمت وقتها بالشكل الذي يتيح لها الخروج في نهاية كل أسبوع ولو للتمشية فقط “ده مهم عشان أقدر أكمل.. الأوائل مش آلات بتذاكر أربعة وعشرين ساعة”، أحيانا كانت تخرج مع صديقاتها، تتصفح الإنترنت أو تستمع إلى فيلم.

على مدار سنوات الدراسة، لم يكن لهبة صديقة مقربة تمر بنفس ظروفها، لكن دعم رفيقاتها في المدرسة لم يتوقف، كذلك معلموها “كان مدرسين المواد الشرعية بيقولولي إنتي لسة عندك كتير تقدميه.. إنتي فقدتي حاسة واحدة بس لكن ربنا مديكي حاجات حلوة كتير ينفع تستخدميها”.
في منزل هبة، لم توقف الاحتفالات عقب الخبر السار “سماع الزغاريد وتوزيع الحلوي والعصائر على الحاضرين في البلد وسام على صدري وتاج على رؤوس عائلتي”.

تابعنا على جوجل نيوز google news

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *