4 سنوات مـ.ـرت على ذكـ.ـرى وفـ.ـاة سعيد صالح، في أغسطس/آب 2014. هذا الفنان المصري الذي قـ.ـاد ثـ.ـورته الخاصة على المسـ.ـرح والتلفزيون، فتـ.ـرك أثـ.ـراً عـ.ـمـ.ـيقاً في الذاكـ.ـرة الفنية العربية. استـ.ـطـ.ـاع أن يصـ.ـيب بتعـ.ـابيـ.ـره الكوميدية مواضع ألـ.ـم الشعب المصري دون تلـ.ـوّن أو نفـ.ـاق.
عاشـ.ـرَ سعيد، المولود في 31 يوليو/تموز 1938، 3 أنظمة مختلفة، تغيَّـ.ـرت فيها الأسماء والصـ.ـفات وبقي الانقسـ.ـام بشـ.ـأن قيادتها السياسـ.ـية بين قبـ.ـضة من حديد أو سـ.ـوط على أجسـ.ـاد المعـ.ـارضين: عبد الناصر، السادات، مبارك.
شهـ.ـد سعيد الثورة بمعناها السياسـ.ـي، والتي ظل يدعو إليها في مسرحياته دون تلـ.ـون، أو نفـ.ـاق أو وقـ.ـوع في ادعاءات كاذبة.
ولعـ.ـل أهم أعماله الناقدة مسرحية كعبـ.ـلون سنة 1985، التي كان ممنـ.ـوعاً حينـ.ـها أن تصـ.ـوَّر وتُعـ.ـرض على التلفزيون؛ لما فيها من رسـ.ـائل فـ.ـذة.
فأغـ.ـلـ.ـب أعمال سعيد صالح على المسرح كانت سـ.ـياسيـ.ـة، حتى وإن تخـ.ـلَّلـ.ـتها الكوميديا، لكنَّ سعيد نفسه لم يتـ.ـغـ.ـير وظلّ يدافـ.ـع عـ.ـمَّا يؤمن به، حتى لو ظـ.ـن الغير أن لا فائدة من هذا الإيمان، وأنه يتوجب عليك السـ.ـير مع التيار لا عكـ.ـسه.
في أثنـ.ـاء عـ.ـرض المسرحية، وقـ.ـف سعيد صالح أمام عدد من التلاميذ يغنـ.ـي لهـ.ـم أشـ.ـعـ.ـار أحمد فؤاد نجم على ألحـ.ـانه شخصياً، فغنى «لما القلـ.ـب يبقى صـ.ـادق وابن ثورة»!
جِـ.ـراح القـ.ـلب داخل سـ.ـعيد كانت كثيـ.ـرة، لكنه كان يعمـ.ـل على شفـ.ـائها بالوقـ.ـوف على خشـ.ـبة المسـ.ـرح. وبالغنـ.ـاء والتلـ.ـحين عبّـ.ـر عن رأيه وما يؤمـ.ـن به رغـ.ـم معـ.ـارضـ.ـة البعض، حتى وإن كان في ثوبٍ در امـ.ـيٍّ كوميديّ.
في لقائه هذا ، قال سعيد: «أنا وعادل لو مكنَّـ.ـاش مثِّـ.ـلنا، كان زمانا دلوقتي قاعديـ.ـن في السـ.ـجـ.ـن. سنة 62 وجدت ضـ.ـالتـ.ـي في مسرح التلفزيون، وكنت شـ.ـديد التـ.ـركيـ.ـز على أن أكون ممثلاً مسـ.ـرحياً أولاً وأخيراً، المسرح حياة وجزء لا يتـ.ـجـ.ـزأ من الحياة اليومية، حينـ.ـها كنت الأول على دفـ.ـعتـ.ـي في المسـ.ـرح». ومن بعـ.ـدها انطـ.ـلق سعيد في المسـ.ـرح جـ.ـامـ.ـحاً، لا يستطيع أحـ.ـد أن يجـ.ـاريه أو يوقـ.ـفه.
كلمة «الجـ.ـمـ.ـوح» في اللغة العربية معناها «الانـ.ـدفـ.ـاع»، يعني جملة «حـ.ـصان جـ.ـامـ.ـح» تعـ.ـني «ينـ.ـدفـ.ـع ويسـ.ـتعـ.ـصى على راكـ.ـبه»، سعيد كان فناناً جـ.ـاـ.ـمـ.ـحاً، موهـ.ـبة منـ.ـدفـ.ـعة تستـ.ـعصـ.ـي على أي ضـ.ـبط أو توجـ.ـيه، ملك نفسـ.ـها ولا تقبـ.ـل أن يتـ.ـم تعـ.ـديلها وفقاً لمجـ.ـريات أحـ.ـداث، أو لأهـ.ـداف سـ.ـياسية معـ.ـينة.
ثم كان السجـ.ـن لأول مـ.ـرَّة.. «وقـ.ـعـ.ـتك سـ.ـوده يا سعيد»
في 27 ديسمبر/كانون الأول سنة 1981، حُـ.ـبس سعيد صالح 17 يوماً في سجـ.ـن الحـ.ـضـ.ـرة بالإسكندرية؛ بسبب مسـ.ـرحية « لعبة اسـ.ـمها الفلوس «، كانت من إخراج سمير العصفوري، وتأليف ناجـ.ـي جورج. حينها لم يكـ.ـن مبارك قد أكمـ.ـل في حـ.ـكـ.ـمه أكثر من شهر، المحـ.ـاكـ.ـمة بدأت في فبراير/شباط 1982، وهذا طبقاً لتقرير القـ.ـضية الذي نشـ.ـره رشاد كامل في كتابه «نجوم وراء القضـ.ـبان».
لم يكن سعـ.ـيد صالح يعـ.ـرف عن قـ.ـضيتـ.ـه شيئاً، ولا لماذا هو في السـ.ـجـ.ـن، وحين وقـ.ـف أمام القاضي وسُئل: «هل تعرف شيئاً عن قـ.ـضيـ.ـتك؟»، قال: «لا»، وطلب أن يقـ.ـرأ القـ.ـضـ.ـية بنفـ.ـسه.
بدأ في قراءة الـ.ـقـ.ـضية ووجد التـ.ـهـ.ـمة «الخـ.ـروج على النـ.ـص، والتفـ.ـوّه بعبـ.ـارات منـ.ـافيـ.ـة للآد اب مثل قوله: ينعـ.ـل أبـ.ـوك». انتهـ.ـى من القراءة، وبدأ يشـ.ـرح للقاضـ.ـي ما الفـ.ـرق بين النص والخـ.ـروج على النص، والإضافة التي يضيـ.ـفها الممثل سـ.ـواء المصري أو العالمي، والفـ.ـرق بين دور يمـ.ـثله عبد الله غـ.ـيث ودور يمـ.ـثله عادل إمام: «عادل يضـ.ـحكنـ.ـي قـ.ـوي وعبد الله غيث يبـ.ـكـ.ـيني قـ.ـوي»، وبعد انتـ.ـهاء مـ.ـرافـ.ـعة سعيد قرأ عليه القـ.ـاضـ.ـي نص العـ.ـقـ.ـوبة على تلك الجـ.ـريـ.ـمة.
تأجـ.ـلت الجلسة وغـ.ـادر سعيد مصر للخارج؛ بسـ.ـبب انشـ.ـغـ.ـاله في التصوير، وعـ.ـلم هناك من الجـ.ـرائد أنه مطلوب ضبـ.ـطه وإحـ.ـضاره، وعـ.ـاد إلى الإسكندرية لحـ.ـضور الجلسة ولم يكن هناك شـ.ـاهد في القـ.ـضية إلَّا مفتـ.ـش الرقـ.ـابة، وكانت المفـ.ـاجأة أن القـ.ـاضي أمر بـ.ـحبـ.ـسه 7 أيام.
رددت الصحف بعدها أنه حُـ.ـبس بسـ.ـبب قوله: «أمـ.ـي اتجـ.ـوزت 3 مرات؛ الأول: وكّلنا المـ.ـش، والتاني علّمنا الغـ.ـش، والتالت لا بيهـ.ـش ولا بيـ.ـنـ.ـشّ»، في إشارة منه إلى رؤساء مصر الثلاثة حينها، عبد الناصر، والسادات، ومبارك، لكن الحقيقة كانت عكـ.ـس ذلك تماماً، طبقاً لما قاله سعيد صالح في لقاءات كثيرة، وطبقاً لتقـ.ـرير القـ.ـضـ.ـية والمكتوب فيه، لم يكن الهـ.ـدف سـ.ـياسـ.ـياً تماماً.
صحيح أن سعيد قال الجملة، وكان يعلـ.ـم ما المقصود منها، لكن ما عُـ.ـرف بعد ذلك في لقاء مع رشـ.ـاد كامل ، أن السبب الحقيقي والحـ.ـظ العـ.ـاثر أنه خلال المسرحية سخـ.ـر سعيد من شخص نائـ.ـم، ولم يكن يتصور سعيد حينها أن يكون هذا الشخص الذي سخـ.ـر منه هو القاضي محمد بدر، الذي سوف يقـ.ـف أمامه سعيد فيما بعد بتهـ.ـمـ.ـة الخـ.ـروج عن النص.
وعندما وقف سعيد أمام ذلك القاضي، قال بسخـ.ـرية شديدة: «وقعـ.ـتك سـ.ـوده يا سـ.ـعيد».
محاولات عادل إمام ويونس شلبي لإخـ.ـراجه تبـ.ـوء بالفـ.ـشـ.ـل
من المـ.ـفارقـ.ـات التي حدثـ.ـت في هذه القـ.ـضية والتي أصبـ.ـحت قـ.ـضية رأي عام، أن ذهب عادل إمام لبيت القاضـ.ـي ومعه 3 محامين ليطلبـ.ـوا منه بحسـ.ـن نية، خـ.ـروج سعيد صالح، حتى لو من أجل المسـ.ـرح، لكن يفـ.ـاجأ عادل إمام بالقاضـ.ـي يطـ.ـرده من بيته هو والمحامين، ليذهب في اليوم التالي ويطلب الكلـ.ـمة ويعتـ.ـذر للقاضـ.ـي عما بـ.ـدر منه.
ودافع عادل إمام عن صديقه ورفيق عمره، واصـ.ـفاً محـ.ـاكمتـ.ـه بأنها محـ.ـاكمـ.ـة للفـ.ـكر المصري، وأذهـ.ـل الحضور بيونس شلبي وحين يطلـ.ـب الحـ.ـديث، وكانت أول مـ.ـرَّة يتاح للجمـ.ـهور رؤية يونس يتحدث بعيداً عن شخصية «منصور» في مدرسة المشـ.ـاغبـ.ـين، قائلاً: «سعيد صالح فنان مبـ.ـدع يـ.ـستلهـ.ـم فنه من خلال حواره مع الجمهور ولا يجـ.ـوز تقـ.ـييد موهبـ.ـته؛ بل يجب أن يعيش الدور بكامل حـ.ـريته ولا يحـ.ـاسَـ.ـب على لفـ.ـظ خـ.ـارج عن النـ.ـص وإلا ما اعتبـ.ـر هذا فناً».
وفي المرَّة الثانية.. «أنت مِش عارف أنا مين؟ أنا سعيد صالح بكالوريوس زراعة»
حوار الكاتب والصحفي رشاد كامـ.ـل في كتابه « نجوـ.ـم وراء القضبـ.ـان » مع سعيد صالح كان بعد هذه الواقـ.ـعة بـ13 سنة. لم يتغـ.ـير سعيد طوال هذه الفترة، بقي مشـ.ـاغباً كما عهـ.ـده الجميع.
حُـ.ـبس بعدها سنة 1991 بتهـ.ـمة تعـ.ـاطي المخـ.ـدرات، والتي كانت تصـ.ـفية سـ.ـياسية أو «قـ.ـرصـ.ـة ود ن» كما يقال، فقـ.ـبل السـ.ـجـ.ـن للمـ.ـرَّـ.ـة الثانية لم ينـ.ـد م سعيد على ما قاله ولا على جـ.ـرأته، وعـ.ـفويته التلقـ.ـائية، ولا بعـ.ـد سجـ.ـنه للمرَّة الثانية.
تـ.ـوفـ.ـي سعيد صالح في أغسطس/آب 2014، بعد حيـ.ـاة حافلة بالتمـ.ـثيل والغناء والتلحـ.ـين والضحـ.ـكات والبـ.ـكاء على المسرح وخـ.ـلف الكواليس.
التعليقات