24 عاما من المعاناة عاشتها فتاة بالمنيا، خاضت معركة شرسة واجهت فيها قهرا اجتماعيا، فحينما ولدت في عام 1994 بمركز ملوي في جنوب المحافظة، فشلت الداية التي أشرفت على عملية الولادة في تحديد جنسها، فأبلغت الأسرة بأنها ذكر، ومع مرور الأيام ثبت العكس، وبدأت معالم الأنوثة تطغى على جسدها بقوة، لتكتشف الأسرة أن مولودها الذي اعتبرته الداية الريفية ذكرا تحول لأنثى.
انتصرت “ريهام” لأنوثتها لتصبح أول فتاة صعيدية تهزم عادة الدايات اللاتي يتسببن في الكثير من المأسي لحديثي الولادة، حينما استلمت قبل يوم واحد بطاقة الرقم القومي الخاصة بها والتي تم استخراجها بعد معركة شرسة خاضتها مع جهات حكومية لتثبت أنها أنثى حوَّلتها داية ريفية بالخطأ لذكر.
قالت “ريهام” إن أسرتها استخرجت لها قبل نحو 7 أعوام بطاقة رقم قومي باسم ذكر يدعى “أدهم محمد حمدي” تتضمن نفس البيانات، حيث أجبرت على ذلك حينما رفضت الأسرة الانصياع لها كونها أنثى وليست ذكرا خشية من تعرضهم لانتقادات لاذعة من نظرة مجتمع الذي لا يرحم، حيث إنها سُجلت في شهادة الميلاد كونها ذكرا كما أبلغتهم الداية.
أكدت “ريهام” أنها اطلعت على تقرير الطب الشرعي الذي تم إرساله إلى مكتب الأحوال المدنية، وبناء عليه صدرت بطاقتها الجديدة، وتضمن التقرير أنها حالة لأنثى كاملة وحركاتها ومشيتها أنثى وليست ذكرا.
وقالت “ريهام”، لـ”الوطن”، إنها ستبدأ حياة جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل، حيث إنها تحب الفن ولديها مواهب في التمثيل والغناء، مناشدة الفنانين بإعطائها الفرصة لعمل الاختبارات التي تظهر تلك المواهب في أقرب فرصة، وعبَّرت عن أمنيتها في أن تؤدي أي دور تمثيلي مع فنانين كبار مثل إلهام شاهين ويسرا ومحمد رمضان، خاصة وأنها تعيش في ظروف اجتماعية صعبة، وتبحث عن أي فرصة عمل توفر لها نفقات الحياة الكريمة دون انتظار مساعدة من أحد.
وأضافت أن أول خطوة ستتخذها بعدما استلمت فعليا البطاقة التي غيَّرت مسار حياتها للأفضل هو التوجه لقسم الشرطة وتحرير محضر ضد الشاب الذي تحرش بها وتسبب لها في الكثير من المشاكل، لأنها فشلت سابقا في أخذ حقها ورد اعتبارها، ففي كل مرة تتوجه إلى القسم لتحرير محضر كانت تواجه رفضا شديدا على اعتبار أنها في البطاقة ذكر، ولا يعقل أن تحرر محضر تحرش ضد ذكر.
أوضحت “ريهام” أنه قبل استخراج بطاقتها الجديدة اختارت لنفسها اسما حركيا هو “ردوينا” بدلا من “أدهم”، ودبَّرت مبلغ 24 ألف جنيه، وأجرت جراحة لتصحيح الوضع وقدمت تقريرا لـ”الوطن”، ممهورا بخاتم شعار الجمهورية يتضمن: اسم المريض “أدهم –م-ح”، الرقم الطبي 3602، لـ”من يهمه الأمر”: “تحية طيبة وبعد.. إيماء إلى الطلب المقدم من المريضة نفسها بشأن تقرير طبي بالحالة بقسم الجراحة العامة، نتشرف بأن نوضح فيما يلي تقريرا عن الحالة ففي تاريخ 9 مايو 2019، وبعد الفحوصات والمتابعة وجد أنه أجريت للحالة جراحة لتصحيح جنس من ذكر إلى أنثى، ولا يوجد أعضاء تناسلية ذكورية، ويوجد مهبل، وقد صدر هذا التقرير للعلم والإفادة لمن يهمه الأمر”.
وعقب إجرائها العملية توجهت في شهر مايو الماضي، للأحوال المدنية بالمنيا، وقدمت تقريرا طبيا بإجراء العملية، وفيش جنائي موجه للسجل المدني، وأصل شهادة ميلادها، ووثيقة زواج الأم والأب، وأرفقتها باستمارة 80، وطلبت تغيير بطاقتها من ذكر إلى أنثى، وأبلغها مسؤول الأحوال المدنية بأنه سيتم إرسال ملفها للأجهزة الأمنية، والنيابة العامة التي قررت لاحقا عرضها على الطب الشرعي، وبالفعل تم توقيع الكشف عليها وثبت أنها أنثى.
ونشرت “الوطن” في منتصف شهر ديسمبر الماضي تقريرا حول تلك المأساة، يشير إلى تشوه خلقي ظهر في عضو الفتاة التناسلي، دفع الداية التي أشرفت على ولادتها لأن تقول لأسرتها “ولد”، وبدأت المعاناة الحقيقية حينما تمت خطبتها من شاب كانت تربطهما قصة حب وبعد علمه بأنها بالبطاقة (ذكر) فسخ الخطوبة وشهَّر بها وتمادى في المضايقات، وحرض بعض زملائه للتحرش بي، معتبرا أنها خدعته، وحينما حاولت تحرير محضر (تحرش) ضده وآخرين بقسم الشرطة فشلت في الحصول على حقها باعتبار أنها (ولد) وقيل لها (بطاقتك ذكر إزاي اتحرش بيكي ولد)، فتركت محل إقامتها بملوي هربا من المضايقات، وكانت تتخفى في حجاب ونضارة شمس رغم تبرجها.
وكان الدكتور رضا إبراهيم، أخصائي نساء وتوليد، أكد أن الحالة واردة الحدوث، وكان يتوجب إجراء الكشف الطبي والفحص الدقيق على المولود فور الولادة، فمن المحتمل أن يكون الأمر قد اختلط الأمر على “الداية”، التي تولت مهمة الولادة لأنها غير متخصصة، فربما وجدت تضخما في عضو “البظر”، فاعتبرت أن المولود “ذكر”، ويحتمل أيضا في مثل هذه الحالة أن هناك عيبا خلقيا لم يتم كشفه مبكرا وقت الولادة، ومع الوقت بدأت تظهر علامات الأنوثة التي يتم التعرف عليها ظاهريا من خلال المظهر والشكل والتصرف.
وأضاف: “هذه الحالات تحسم بأشعة مقطعية، فإذا تبين وجود رحم ومبايض، فهرمون الأستروجين الأنثوي يكون أعلى من التستيرون الذكوري، من الأحرى في حالة وجود عيوب خلقي ظاهري في أي طفل حديث الولادة ينبغي ذكرها عند التسجيل، وأن يُعرض الأمر على المتخصصين”.
التعليقات