“راعي الغلابة في عملك”.. وصية وجهها أب لابنه بعد تخرجه من كلية الطب منذ ما يزيد عن 50 عاما، ظل الدكتور محمد مشالي، طبيب الباطنة العامة، يحافظ عليها وينفذها، حتى اشتهر بلقب “طبيب الغلابة” بين أهالي طنطا ومدينة شيخ العرب.
“مشالي” من مواليد مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، من أسرة متوسطة الحال، والده رجلا مثقفا، كان يعمل في مهنة التدريس في مدينة طنطا، وتخرج من كلية طب القصر العيني عام 1967، وعمل طبيبا في عدد من الوحدات الريفية داخل محافظة الغربية، وتزوج من طبيبة كيميائية وله 3 أبناء: “عمرو، وهيثم”، مهندسين، ووليد حاصل على بكالوريوس تجارة وموظف بإحدى الشركات العمرانية.
تدرج “طبيب الغلابة” في المناصب داخل مستشفيات محافظة الغربية، فشغل منصب مدير مستشفى الأمراض المتوطنة ثم مديرا لمركز طبي “سعيد” في طنطا حتى خروج على المعاش في 2004، ولديه 3 عيادات في مدينة طنطا، بجوار مسجد السيد البدوي، والثانية في قرية محلة روح، والثالثة في قرية شبشير الحصة، بمركز طنطا.
عن مهنته الطويلة يقول: “أعمل منذ تخرجي من كلية طب القصر العيني في 1967، على تنفيذ وصية والدى الذى أوصاني بها عقب أداء قسم الأطباء (راعي الغلابة في عملك).. كان أول ثمن تذكرة كشف لي في بداية عملي كطبيب 10 قروش، ورغم مرور أكثر من نصف قرن لم يتخطى ثمنها الـ10 جنيهات”، رافضا الثراء أو تحقيق أي أرباح من وراء مهنته، مسخرا وقته وجهده لإزاحة الألم عن المرضى، “لا أطلب من مريض فلوس الكشف، اللي معه أكيد هيدفع والغلبان كفايا عليه ثمن الأدوية، ما يهمني راحة المريض من الألم ورسالة الطب ليست تحقيق الثراء”.
وأضاف الطبيب صاحب الـ76 عاما لـ”الوطن”، أنه يعمل في اليوم أكثر من 12 ساعة، حيث إن يومه يبدأ من الواحدة ظهرا في عيادة طنطا حتى التاسعة مساء، ثم يستقل القطار متوجها إلى عيادته في قرية محلة روح، ثم عيادته في قرية شبشير الحصة، وهما قريتين تابعتين لمركز طنطا، وينتهى يومه في الواحدة صباحا.
وكشف “مشالي” عن سر امتلاكه عيادتين في قرى ريفية تبعد عن مدينة طنطا أكثر من 15 كيلومترا وحرصه على الذهاب إليهما يوميا رغم تقدمه في السن، وعدم امتلاكه وسيلة مواصلات تساعده على الانتقال، “فتحت عيادتين في محلة روح وشبشير الحصة بناء على رغبة مواطنين غلابة هناك غير قادرين على الذهاب إلى مدينة طنطا”.
أوضح أن ثمن تذكرة الكشف في عيادة طنطا 10 جنيهات ونفس الأمر في قرية محلة روح، وفى قرية شبشير الحصة 5 جنيهات، لأن بها فقراء ومحدودي الدخل أكثر، مشيرا إلى أنه أحيانا يوفر العلاج لبعض المرضي غير القادرين على شراءه، “فيه مثل بيقول بيع رخيص هتكسب كتير.. ثمن التذكرة قليل فعلا لكن فيه بركة وفي الوقت نفسه فيه ثواب.. المنشأة اللي فيها لله لا تغلق أبدا.. ربنا بيسترها”.
تجرد “طبيب الغلابة” من مظاهر الترف والثراء، إذ أنه لا يسعى وراء المال، معتبرا أن نجاحه في تربية أبنائه الـ3 وأبناء شقيقه، وأنه كان سببا في شفاء المرضى أفضل نجاح له في الحياة، وهذه كانت رسالته، وفقا له، مبينا أنه يفضل القراءة ويستغل وقته المتبقي من عمله في العيادات في قراءة كتب الأدباء والمفكرين وبينهم عميد الأدب العربي طه حسين، والكاتب محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين.
وقال مسؤول بنقابة أطباء الغربية، إن الدكتور محمد مشالي طبيب كرس حياته للكشف عن مرضاه دون السعي وراء الثراء، إذ أن تكلفة كشفه لم تتخطى الـ10 جنيهات، رغم ما لديه من خبرة كبيرة في عالم الطب، وهذه هي الرسالة الحقيقية لمهنة الطب “العمل على تخفيف آلام المرضى”.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “99% من الأطباء يسعون من وراء مهنة الطب لتحقيق الثراء والغالبية منهم دخل في عالم رجال الأعمال وبناء العقارات والمشاريع الاستثمارية، دون مراعاة الحالة الاجتماعية للمرضى، وذهاب المرضى لهم في العيادات بسبب التقصير والإهمال المشترك بين المستشفى والطبيب، رغم ما تبذله الدولة من جهود لتوفير أفضل رعاية طبية للمرضي”.
التعليقات